» » الطريق إلى عدن ... الجزء الأخير

كان يحوم حول الباص أكثر من عشرة أشخاص مدججين بالسلاح، ومن خلفهم عدد آخر لم أميزه لشدة الظلام.
طلبوا من سائق الباص النزول ، لكنه رفض في بادي الأمر، فأطلق أحدهم  رصاصة هشّمت زجاج السائق لتنفذ من سقف الباص
المسلح : الثانية في رأسك إن لم تنزل 
فتح السائق الباب فاندفع المسلحون إلى الداخل في وسط صراخ ورعب الركاب....
مما لاشك فيه أنهم قطاع طرق يقصدون المال فمقاومتهم دون سلاح عبث قد يخلف قتلا ...
كانت هناك فتحة صغيرة  تحت قماش الكرسي الممزق لا يعرف حتى الشيطان طريقاً إليها، وكنت أحمل مبلغ من المال بالعملة الصعبة، أدخلت المال في تلك الفتحة فغار إلى الأسفل، ولم يعد لدي درهم ولا دينار .. لكن هناك مشكلة فمظهري ولبسي إضافة إلى جوازي الأجنبي يوحي بكنز على مقعد، لقد كنت في ورطة حقيقية.
كان بجانبي رجل في منتصف العمر يرتعش خوفاً، لكن هناك بسمة خفية كانت ترافقه أحياناً... من وسط ذلك الخوف همس في أذني: سيأخذون كل مالي!!
سألته همساً: وما مالك؟
عشرون ألف ريال ها ها ها عشرون ألف لا أملك غيرها ، كنت أعلم أننا سنقع في يد هؤلاء  القتلة، فلم أحمل أكثر منها.
فاجأته بطلبي: أتدينني منها عشرة الآف الآن.
هل تسخر مني!!
لا، ولكني أريد إستلاف المبلغ وساعيدها لك حال رحيل المسلحين ... هي أسرع قبل قدومهم...
لا وقت لديه ليفكر فأعطاني نصف المبلغ... وصل المسلحين ألينا فأخرجت عشرة الآف من جيبي وأخرج الرجل العشرة المتبقية، وبعد التفتيش لم يجدوا غيرها.
 التقط الركاب أنفاسهم بعد رحيل المسلحين وتحرك الباص، رغم سطو المسلحين على كثير مما يملكون إلا أن هناك بعض السعادة ظهرت على وجوههم.
أخرجت حينها مايقابل مال الرجل فأعطيته إياه عوضاً عن ماله،
سألني بتعجب ولكن لماذا!؟
أجبته: لولا مالك لذهب مالي، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، شكراً لك.
.....
 بدأ صوت خافت أسمعه، زاد رويدا رويدا وإذا من بجانبي يوقضني لصلاة الفجر كان ذلك على ما أذكر في مودية، نهضت أتلفت يميناً ويساراً فأدركت أني لم أكن إلا في حلم منذو دخولنا الطريق الصحراوي إلى مودية.
......
 قد يُغضب البعض حلمي هذا الذي هو من وحي الخيال، ولكن (كما نعرف) دائماً مايكون الحلم أو السرحان في الخيال مبالغ فيه، وليس له مساحة في أرض الواقع، "أعتقد أن الكثير يوافقني في هذا!!"
مع ذلك واقعنا اليوم أسواء بكثير من الحلم وأبعد من الخيال ....هناك من يُقتَل، وهناك من تخفى معالم وجهه تماماً خلف الكدمات حتى الإغماء، وأحسنهم حظاً من يُسلَب مايملك دون إصابة .. لم أبالغ في أحداث القصة بل وضعتها عند أحسن الأحوال..
هؤلاء المعتوهين القتلة سواء في الصحاري أو حتى في وسط المدن تحت حماية رجال أمن لا أمان معهم ،أليس ماوصلنا أليه اليوم كما قلت لكم أعظم من الحلم وأبعد من الخيال..
...
توقف الباص بحمد الله أمام جولة السفينة  في مدينة عدن في تمام العاشرة صباحاً بعد أكثر من عشرين ساعة على الطريق ..


الكاتب : خليل ابوسفيان 



الكاتب n2016

يسعدنا تواجدكم ووحضوركم المميز لمشاهدة كل ماهو جديد في مدونتكم واحة النبلاء أخوكم : فهمي بن لسود
»
??????
رسالة أقدم
«
??????
رسالة أحدث

ليست هناك تعليقات :

??? ????